بقلم / مجاهد منعثر منشد
الروائي المصري د.عز الدين شكري فشير ولد عام 1966في مدينة الكويت لأبوين مصريين ثم عاد مع أبويه لمصر وهو بعمر عامين, كاتب وأستاذ يدرّس العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية قسم دراسات الشرق الأوسط بكلية دارتموث في القاهرة.
وهو دبلوماسي سابق ومشهور بتحليلاته السياسية للصراعات في العالم العربي، خصوصاً الصراع العربي الإسرائيلي المتخصّص فيه إبان عمله الدبلوماسي.
وله كتابات عديدة حول الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربي ينشرها منذ العام 1987 ويعتبر من أهم الروائيين العرب المعاصرين.
أصدر عدة نتاجات روائية من بينها روايته السادسة “باب الخروج” التي تعد من أكثر الروايات العربية ارتباطا بالثورة المصرية حتى أنها توصف عادة بأنها “كتالوج الثورة”.
ونشرت لأول مرة عن دار الشروق في 2012 وصدرت في 483 صفحة من القطع المتوسط.
اعتمد الروائي الفكر الليبرالي في كتابته هذه الرواية.
وهذا لا يعيبها مطلقا فلكل إنسان ميوله الخاصة وحريته بالتعبير الذي يراه مناسبا وفقا لأفكاره المشابهة للكثير من فئات المجتمع, فكما هنالك أديب إسلامي فهناك أديب علماني وكذلك ليبرالي وغيره ربما لا يدين بديانة سماوية .
المهم عدم خروج الروائي عن سياق قواعد كتابة الرواية وأن تتناول روايته الحالة الإنسانية في المجتمع .
وأيضاً من المفترض على الأديب أن يحترم الأفكار الأخرى ولا يشبعها نقدا وتقريعا وغمزا ولمزا في روايته لمجرد الاختلاف معهم في وجهات النظر .
إنْ رؤية باب الخروج تنبؤات الكاتب أوخيارات بمعنى أصح عن ثورة يناير وإذا تأملنا في لفظ تنبؤات يعني مخيلة الكاتب ممكن أن تكون فنتازيا وتارة واقعية سياسية ,فإطارها العام خيال وليست بالضرورة حقائق تحصل حتما.
ولفظ خيارات حلول وأراء إن شئت خذ بها أو غير ذلك , ففي تلك الرواية نرى كيف يحلق الروائي في فانتازيا الخيال من عام 2011 ليصل إلى عام 2020م.
وهذا لا يعني أن نقيم ما يجول بمخيلته على أساس تاريخي أو استراتيجية سياسية والحكم على رأيه من هذا المنطلق يعتبر إهانه للنقد الروائي الأدبي .
إننا ندرك أن الكاتب يقدم شهادته مبكرا على الثورة المصرية في السنة الثانية منها ويتحدث عن مشاكل السلطة والمجتمع والقوى السياسية والاحتمالات المستقبلية , ويشعر بدوامة قادمة يحذر منها , فيطرح خيارات, لكن هذه الشهادة لا تعتمد في المحاكم السياسية, كون إفادتها جاءت ضمن لعبة تخفي محكمة الأدب .
إنْ باب الخروج رواية اجتماعية ذات طابع سياسي يكشف عيوب المجتمعات العربية .
والمؤلف د. عز الدين قدم عملا أدبيا ابدع فيه حيث سخر و بكل جدارة تراكمه السياسي المعرفي و بأدق أدق تفاصيله .
وكتبه بلغة سهلة واضحة لا تخلو من عمق الدلالة اللغوية في مواضع غير قليلة منها رغم أنها تبتعد عن الإيجاز في مجملها فاستخدم النص المتسع .
واللغة تحمل الكثير من الإثارة والتشويق يُستهل السرد من الطرف الأخير للدائرة ليدور عائدا إلى البداية ممسكا بالطرف الأول في استرجاع للأحداث, بعدها يدور دورته ويلتقي طرفا الدائرة.
رواية (باب الخروج) تعتمد صيغة المتكلم. وبين الأديب احترافيته في شخوص الرواية من خلال كتابة تاريخ كل شخصية وتبنيه لوجهة نظرها وتوضيحها وحاول تأملها وعرضها من أكثر من زاوية، بعيدا عن وجهة النظر الأحادية التي لا ترى في البشر سوى أخيار ، أو العكس شياطين بلا أية وجوه إنسانية.
والأحداث يغلفها جو من الإثارة بصورة نفق مظلم وتيه وظلال فأراد تقديم المساعدة لمجتمعه بباب خروج من تلك الظلمة ليدخل قلوبهم بهجة تكسر المِزاج الحزين الذي يغلف السرد من بدايته.
وتتأكد البهجة في الأمل بالنهاية المفتوحة للرواية: (سأقوم الآن لأُعد لنفسي قهوة أخيرة على هذا المركب استعدادًا لما هو أت. لا تذهب بعيدًا، فأنا عائد إليك).
ومن خلال تمحور السرد البارع للأحداث طرح الروائي أسئلة فلسفية أخلاقية ,كسؤاله عن جدوى استقالته، وما إذا كانت تعفيه من المسئولية الأخلاقية عن الفعل , فيخرج بنتيجة بأن الاستقالة تعفيه من رؤية الجريمة، لكنها لا تعفيه من مسئوليته الأخلاقية.
وبذلك يعثر على باب الخروج لنفسه من انعزاليتها وسلبيتها.
لقد تناول الروائي جانبا إنسانيا محزنا في قصة الحب مع الفتاة الصينية التي فارقها بسبب رفض أهله الزواج منها , فأثبت أن الحب لا جنسية له ولا لغة تمنعه ولا تحده أية مسافات مهما كانت بعيدة .. كبعد الصين عن مصر!
وهذه المسألة ممكن أن تسقي قلب الإنسان اليائس وسط ركام الحروب والمنافسات الداخلية والخارجية , ومهما كان مصير هذه العلاقة إلا أنها تبقى نسمة باردة تحفز الضمير الإنساني في النفوس .
الرواية تسودها الحبكة الرائعة فكما هناك صور سياسية, نجد بين ثنايا سطورها حكايات حب فالروح نابضة تجري بك من حكاية إلى أخرى مع وصايا .
ولكن ملاحظتي حول تلميحات الكاتب لوجود الانحلال الخلقي أو الحرية الجنسية لبعض شخصيات روايته مسألة مزعجة مستهجنة على الرغم من وجودها على الواقع بالفعل ففي البلدان العربية لاسيما مصر هذا الأمر غير عادي فإن لم يأخذ بأنه محرم شرعا.
إلا أن تأباها أخلاق المجتمع وعاداته وتقاليده،
أما توقعاته كالحرب بين أميركا وإيران فبالفعل نكاد أن نستنشق دخان نيرانها في وقتنا المعاصر إلا أنها معلنة من خلف الكواليس .
وأخيرا د. قشير يتمتع بأسلوب متطور جدا وقدرة هائلة على شد القارئ فضلا عن ذلك تمكنه من إظهار التقلبات والتحولات النفسية الشاملة للبطل مما يجعلنا نرى المتعة في أسلوبه الرائع .
فكل التقدير و الاحترام لهذا الأديب العربي الكبير الذي يعتبر مدرسة روائية عربية في الوقت المعاصر.